التفنيص عادة ليبية تصادفــــك إينما ولّيت وجهك ، تقف بسيارتك عند إشارة المرور الضوئية الحمراء وبمجرد أن تلتفت إلى اليمين أو اليسار تجد سائق السيارة المجاورة يحملق فيك فتضطر إلى أن ترد على الحملقة بحملقة أحسن منها . يستمر هذا (الاشتباك البصري ) لحظات ثم ينفك إما نتيجة هزيمتك أمام سطوة نظراته أو العكس .. يتقهقر صاحبك أمام شواظ اللهيب الذي يقذفه منجنيق عينيك
وقد تنتهي المعركة بالتعادل فيسحب كل منكما رأسه إلى الناحية الأخرى في وقت واحد . حينئذ ستلاحظ وأنت ترفع عينيك إلى المرآة الداخلية في سيارتك أن سائق السيارة التي وراءك يسدّد نحوك ينظراته ضربات محكمة عبر المرآة , فتهرب منه إلى الأمام فتكتشف أن سائق السيارة التى أمامك يصوب نحوك نظراته القاسية عبر المرآة الداخلية لسيارته وكأنه يريد أن يحفر ملامحك في ذاكرته إلى الأبد !
ولا ينقذك من حصـــار العيون المحملقة إلا الإشـارة الضوئية الخضراء لكنك تكتشف فيما بعد أن حرب ( التفنيص ) مازالت مستمرة ; سائقو السيارات يحملقون في المارة والمارة يحملقون في السيارات وفي وجوه بعضهم البعض رجال المرور يحملقون في وجوه السائقين وباعة الأرصفة يحملقون في وجوه العابرين , اصحاب المحلات يحملقون في وجوه الجميع والرجال يحملقون في وجوه النساء . والنسوة يحملقن في وجوه بعضهن البعض , الحلاق يحملق في وجه الزبون والزبون يحني رأسه منزعجاً خوفاً من المقص والسكين وعندما يرفع عينيه يجد جميع الجالسين في المحل يحملقون فيه تاركين أكداس المجلات التي جلبها صاحب المحل لكسر حدة الحملقة ولكن دون جدوى !
وفي الأماكن العامة التي تتطلب انتظاراً لبعض الوقت كالعيادات وصالات الانتظار بالموانئ والمطارات ومكاتب الإدارات تشتبك العيون مع بعضها البعض كل واحد يتفحص الآخر من رأسه حتى أخمص قدميه !
وفي صور البطاقات الشخصية أو جوازات السفر أو الصورالكبيرة التي يعلقها بعضنا على جدران مربوعته وفي الصور التى تنشرها الصحافة للمواطنين مرافقة لتهاني أو دعوات الزفاف أو النجاح في الدراسة يحرص كل واحد منا على رسم تلك ( التفنيصة ) الليبية الأصلية ومن النادر أن يبتسم المواطن هكذا عامداً متعمداً وبدون سبب وجيه
تحياتي ... بنت ابوها